فصل: علقمة بن رمثة البلوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (نسخة منقحة)



.عكرمة بن عامر:

بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدي، هو الذي باع دار الندوة من معاوية بمائة ألف. وهو معدود في المؤلفة قلوبهم.

.باب العلاء:

.العلاء بن جارية الثقفي:

أحد المؤلفة قلوبهم كان من وجوه ثقيف.

.العلاء بن الحضرمي:

ويقال اسم الحضرمي عبد الله بن عمار. ويقال عبد الله بن عماد ويقال عبد الله بن ضمار. ويقال عبد الله بن عبيدة بن ضمار بن مالك بن عميرة أو عبيدة بن مالك ونسبه بعضهم فقال: هو العلاء بن عبد الله بن عمار بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن أكبر بن عويف بن مالك بن الخزرج من بني إياد بن الصدف. وقد قيل: الحضرمي والد العلاء هو عبد الله بن عمار بن سليمان بن أكبر. وقيل عماد بن مالك بن أكبر.
قال الدارقطني: وزعم الأملوكي أنه عبد الله بن عباد فصحف ولا يختلفون أنه من حضرموت حليف بني أمية ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم البحرين وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو عليها فأقره أبو بكر رضي الله عنه في خلافته كلها عليها ثم أقره عمر. وتوفي في خلافة عمر سنة أربع عشرة. وقال الحسن بن عثمان: توفي العلاء بن الحضرمي سنة إحدى وعشرين واليًا على البحرين، فاستعمل عمر رضي الله عنه مكانه أبا هريرة. وقد روى الأنصاري عن ابن عوف عن موسى بن انس أن أبا بكر الصديق ولى أنس بن مالك البحرين وهذا لا يعرفه أهل السير. وقال أبو عبيدة: مات أبو بكر رضي الله عنه والعلاء محاصر لأهل الردة فأقره عمر وحينئذ بارز البراء بن مالك مرزبان الزارة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي العبدي ملك البحرين ثم ولاه على البحرين إذ فتحها الله عليه وأقره عليها أبو بكر ثم ولاه عمر البصرة فمات قبل أن يصل إليها بماءٍ من مياه بني تميم سنة أربع عشرة وهو أول من نقش خاتم الخلافة. وأخوه عامر بن الحضرمي قتل يوم بدر كافرًا. وأخوهما عمرو بن الحضرمي أول قتيل من المشركين قتله مسلم، وكان ماله أول مال خمس. قتل يوم النخلة هو وأختهم الصعبة بنت الحضرمي، كانت تحت أبي سفيان بن حرب فطلقها فخلف عليها عبيد الله بن عثمان التيمي فولدت له طلحة بن عبيد الله.
قال ذلك كله ابن الكلبي: وكان يقال: إن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه كان مجاب الدعوة وإنه خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها، وذلك مشهور عنه. وكان له أخ يقال له ميمون الحضرمي وهو صاحب البئر التي بأعلى مكة التي تعرف ببئر ميمون وكان حفرها في الجاهلية.

.العلاء بن خباب:

ذكروه في الصحابة وما أظنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أكل الثوم فلا يقربن المسجد». روى عنه عبد الرحمن بن حابس.
ويقال فيه أيضًا العلاء بن عبد الله بن خباب.

.العلاء بن سبع:

روى عنه السائب بن يزيد قوله فيه نظر لأنه قد قيل: إنه العلاء بن الحضرمي.

.العلاء بن عمرو الأنصاري:

له صحبة. شهد مع علي رضي الله عنه صفين.

.باب علقمة:

.علقمة بن الحويرث الغفاري:

حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «زنا العين النظر». ذكر خليفة بن خياط عن فضيل بن سليمان النمير، عن محمد بن مطرف عن جده عن علقمة بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

.علقمة بن رمثة البلوي:

يعد في أهل مصر روى عنه زهير بن قيس البلوي.

.علقمة بن سفيان الثقفي:

ويقال: علقمة بن سهيل وقال ابن إسحاق: وفي حديثه ذلك عن عطية بن سفيان اضطرب فيه هذا الاضطراب ولا يعرف هذا الرجل في الصحابة رضي الله عنهم.

.علقمة بن علاثة بن عوف:

بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكندي العامري. من المؤلفة قلوبهم وكان سيدًا في قومه حليمًا عاقلًا ولم يكن فيه ذاك الكرم.

.علقمة بن الفغواء الخزاعي:

كان دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك. روى عنه ابنه عبد الله هو أخو عمرو بن الغفواء زاد الطبري: وكان يسكن باب أبي شرحبيل وهو بين ذي خشب والمدينة وكان يأتي المدينة كثيرًا.

.علقمة بن ناجية الخزاعي:

مدني، سكن البادية له حديث واحد مخرجه عن ولده.

.علقمة بن نضلة بن عبد الرحمن:

بن علقمة الكندي، ويقال: الكناني. سكن مكة روى عنه عثمان بن أبي سليمان.

.علقمة بن وقاص الليثي:

ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر الواقدي توفي في زمن عبد الملك بالمدينة وله دار في بني ليث.

.باب عليٍّ:

.علي بن الحكم السلمي:

أخو معاوية بن الحكم له صحبة أظنه عليًّا السلمي جد خديج بن سدرة بن علي السلمي من أهل قباء.

.علي بن شيبان بن محرز:

بن عمرو، من بني الدؤل بن حنيفة يكنى أبا يحيى سكن اليمامة روى عنه ابنه عبد الرحمن.
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا ابن المفسر قال: حدثنا أحمد بن علي قال: حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا ملازم بن عمرو قال: حدثنا عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه علي بن شيبان قال: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلمح بمؤخر عينه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فلما قضى نبي الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: «أيها المسلمون، لا صلاة لامرىءٍ لا يقيم صلبه في الركوع والسجود».

.علي بن أبي طالب:

رضي الله عنه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي يكنى أبا الحسن واسم أبيه أبا طالب عبد مناف وقيل اسمه كنيته والأول أصح وكان يقال لعبد المطلب شيبة الحمد واسم هاشم عمرو واسم عبد مناف المغيرة واسم قصي زيد. وأم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي توفيت مسلمةً قبل الهجرة وقيل: إنها هاجرت وسيأتي ذكرها في بابها من كتاب النساء إن شاء الله تعالى.
كان علي أصغر ولد أبي طالب. وكان أصغر من جعفر بعشر سنين وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين وروى عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن الأرقم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من أسلم وفضله هؤلاء على غيره.
وقال ابن إسحاق: أول من آمن بالله وبرسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم من الرجال علي بن أبي طالب وهو قول ابن شهاب إلا أنه قال: من الرجال بعد خديجة وهو قول الجميع في خديجة.
حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا أحمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جرير قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الدقاق قال حدثنا مفضل بن صالح عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لعلي أربع خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فر عنه غيره، وهو الذي غسله وأدخله قبره.
وقد مضى في باب أبي بكر الصديق رضي الله عنه ذكر من قال: إن أبا بكر أول من أسلم.
وروي عن سلمان الفارسي أنه قال: أول هذه الأمة ورودًا على نبيها عليه الصلاة والسلام الحوض أولها إسلامًا: علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد روى هذا الحديث مرفوعًا عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أول هذه الأمة ورودًا على الحوض أولها إسلامًا: علي بن أبي طالبٍ». ورفعه أولى لأن مثله لا يدرك بالرأي.
حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا يحيى بن هشام حدثنا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن حنش بن المعتمر عن عليم الكندي عن سلمان الفارسي، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولكم ورودًا على الحوض أولكم إسلامًا: علي بن أبي طالب رضي الله عنه».
وروى أبو داود الطيالسي قال أخبرنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون. عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: «أنت ولي كل مؤمنٍ بعدي».
وبه عن ابن عباس قال: أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال: حدثنا الحسن بن حماد حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب أول من آمن من الناس بعد خديجة رضي الله عنهما.
قال أبو عمر رحمه الله: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحدٍ لصحته وثقة نقلته وهو يعارض ما ذكرناه عن ابن عباس في باب أبي بكر رضي الله عنه.
والصحيح في أمر أبي بكر أنه أول من أظهر إسلامه كذلك قال مجاهد وغيره قالوا: ومنعه قومه. وقال ابن شهاب وعبد الله بن محمد بن عقيل وقتادة وأبو إسحاق أول من اسلم من الرجال علي. واتفقوا على أن خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدقه فيما جاء به ثم علي بعدها.
وروي في ذلك عن أبي رافع مثل ذلك حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا عبد السلام بن صالح قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال حدثنا عمرو مولى عفرة قال: سئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم: أعلي أو أبو بكر رضي الله عنهما قال: سبحان الله علي أولهما إسلامًا وإنما شبه على الناس لأن عليًّا أخفى إسلامه من أبي طالب وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه ولا شك أن عليًّا عندنا أولهما إسلامًا.
وذكر الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة له قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا الليث بن سعد عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن أنه بلغه أن علي بن أبي طالب والزبير رضي الله عنهما أسلما وهما ابنا ثماني سنين. هكذا يقول أبو الأسود يتيم عروة. وذكره أيضًا ابن أبي خيثمة عن قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد عن أبي الأسود وذكره عمر بن شبة عن الخزاعي عن ابن وهب عن الليث. عن أبي الأسود قال الليث: وهاجرا وهما ابنا ثمان عشرة سنة ولا أعلم أحدًا قال بقول أبي الأسود هذا.
قال الحسن الحلواني: وحدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن قتادة عن الحسن قال: أسلم علي رضي الله عنه وهو ابن خمس عشرة سنة.
وأخبرنا خلف بن قاسم بن سهل قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد ابن إسماعيل الطوسي قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج قال: حدثنا محمد بن مسعود قال: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن الحسن قال: أسلم علي وهو أول من أسلم وهو ابن خمس أو ست عشرة سنة. قال ابن وضاح: ما رأيت أحدًا قط أعلم الحديث من محمد ابن مسعود ولا أعلم بالرأي من سحنون.
وقال ابن إسحاق: أول ذكر آمن بالله ورسوله علي بن أبي طالب وهو يومئذ ابن عشر سنين.
قال أبو عمر: قيل: أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة سنة وقيل: ابن اثنتي عشرة سنة وقيل: ابن خمس عشرة. وقيل: ابن ست عشرة وقيل ابن عشر. وقيل ابن ثمان.
ذكر عمر بن شبة عن المدايني عن ابن جعدبة عن نافع عن ابن عمر قال: أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة سنة.
قال: وأخبرنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا محمد بن طلحة قال: حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة قال: كان علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم عدادًا واحدًا.
وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا إسماعيل بن علي الخطبي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا هجين أبو عمر قال: حدثنا حبان عن معروف عن أبي جعفر قال: كان علي وطلحة والزبير في سن واحدة.
قال: وأخبرنا الحزامي قال ابن وهب: أخبرني الليث بن سعد عن أبي الأسود قال: أسلم علي والزبير وهما ابنا ثمان عشرة سنة.
وذكر عبد الرزاق عن معمر في جامعه عن قتادة عن الحسن وغيره قالوا: أول من أسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة. وحدثنا معمر عن عثمان الخوزي عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أول من أسلم علي رضي الله عنه.
وذكر أبو زيد عمر بن شبة قال: حدثنا سريج بن النعمان قال: حدثنا الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن ثلاث عشرة سنة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال أبو عمر رحمه الله: هذا أصح ما قيل في ذلك.
وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين. وروي عن ابن فضيل عن الأجلح عن سلمة بن كهيل عن حبة بن الجوين العرني قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين.
وروى شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبة العرني قال: سمعت عليًّا يقول أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال سالم بن أبي الجعد: قلت لابن الحنفية: أبو بكر كان أولهم إسلامًا؟ قال: لا.
وروى مسلم الملائي، عن أنس بن مالك قال: استنبىء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأثنين وصلى على يوم الثلاثاء.
وقال زيد بن أرقم: أول من آمن بالله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب. وروى حديث زيد بن أرقم من وجوه ذكرها النسائي وأسد بن موسى وغيرهما منها ما حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا علي بن الجعد حدثنا شعبة قال: أخبرني عمرو بن مرة قال: سمعت أبا حمزة الأنصاري قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير بن حرب حدثنا أبي، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن الأشعث عن إسماعيل بن إياس عن عفيف الكندي عن أبيه عن جده قال لي: كنت أمرأ تاجرًا فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة وكان امرءًا تاجرًا فوالله إني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خبء قريب منه فنظر إلى الشمس فلما رآها قد مالت قام يصلي. قال: ثم خرجت امرأة من ذلك الخبء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه تصلي ثم خرج غلام قد راهق الحلم من ذلك الخبء فقام معهما يصلي فقلت للعباس: من هذا يا عباس؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي. قلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد. قلت: من هذا الفتى؟ قال: علي بن أبي طالب ابن عمه. قلت ما هذا الذي يصنع؟ قال: يصلي وهو يزعم أنه نبي ولم يتبعه فيما ادعى إلا امرأته وابن عمه هذا الغلام، وهو يزعم أنه سيفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. وكان عفيف يقول: إنه قد أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثانيًا مع علي. وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في باب عفيف الكندي من هذا الكتاب والحمد لله.
وقال علي رضي الله عنه: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا لا يصلي معه غيري إلا خديجة واجمعوا على أنه صلى القبلتين وهاجر وشهد بدرًا والحديبية وسائر المشاهد وأنه أبلى ببدر وبأحد وبالخندق وبخيبر بلاءً عظيمًا وأنه أغنى في تلك المشاهد وقام فيها المقام الكريم. وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة وكان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك ولما قتل مصعب بن عمير يوم أحد وكان اللواء بيده دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي رضي الله عنه.
وقال محمد بن إسحاق: شهد علي بن أبي طالب بدرًا وهو ابن خمس وعشرين سنة.
وروى ابن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم بدرٍ إلى علي وهو ابن عشرين سنة ذكره السراج في تاريخه. ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ قدم المدينة إلا تبوك فإنه خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى عياله بعده في غزوة تبوك وقال له: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي». وروى قوله صلى الله عليه وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» جماعة من الصحابة وهو من أثبت الآثار وأصحها رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص. وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدًّا قد ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره ورواه ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأم سلمة وأسماء بنت عميس وجابر بن عبد الله وجماعة يطول ذكرهم.
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا ابن المفسر حدثنا أحمد بن علي حدثنا يحيى بن معين حدثنا عثمان بن معاوية الفزاري عن موسى الجهني عن فاطمة بنت علي قالت: سمعت أسماء بنت عميس تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي».
حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم قال: حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي، قال حدثنا نمير عن حجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «أنت أخي وصاحبي».
وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا عمرو بن حماد القناد قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي عن معروف بن خربوذ عن زياد بن المنذر عن سعيد بن محمد الأزدي عن أبي الطفيل قال: لما احتضر عمر جعلها شورى بين علي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد فقال لهم علي: أنشدكم الله، هل فيكم أحد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبينه إذ آخى بين المسلمين غيري قالوا: اللهم لا.
قال: وروينا من وجوه عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يقولها أحد غيري إلا كذاب.
قال أبو عمر: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين بمكة ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة وقال في كل واحدة منهما لعلي: «أنت أخي في الدنيا والآخرة» وآخى بينه وبين نفسه فلذلك كان هذا القول وما أشبه من علي رضي الله عنه وكان معه على حراء حين تحرك فقال له: «أثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد».
وكان عليه يومئذ العشرة المشهود لهم بالجنة وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة اثنتين من الهجرة ابنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ما خلا مريم بنت عمران. وقال لها: «زوجك سيد في الدنيا والآخرة»، وإنه أول أصحابي إسلامًا وأكثرهم علمًا وأعظمهم حلمًا. قالت أسماء بنت عميس: فرمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اجتمعا جعل يدعو لهما ولا يشرك في دعائهما أحدًا غيرهما وجعل يدعو له كما دعا لها.
وروى بريدة وأبو هريرة وجابر والبراء بن عازب وزيد بن أرقم كل واحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه». وبعضهم لا يزيد على «من كنت مولاه فعلي مولاه».
وروى سعد بن أبي وقاص وسهل بن سعد وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعمران بن الحصين وسلمة ابن الأكوع كلهم بمعنى واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم خيبر: «لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار، يفتح الله على يديه». ثم دعا بعلي وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه الراية ففتح الله عليه وهذه كلها آثار ثابتة. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وهو شاب ليقضي بينهم، فقال: يا رسول الله، إني لا أدري ما القضاء. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده صدره، وقال: «اللهم اهد قلبه، وسدد لسانه». قال علي رضي الله عنه: فوالله ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين.
ولما نزلت: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} [الأحزاب 33]. دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليًّا وحسنًا وحسينًا رضي الله عنهم في بيت أم سلمة وقال: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا».
وروى طائفة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: «لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق».
وكان علي رضي الله عنه يقول: «والله إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق».
وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك، مع أنك مغفور لك»؟ قال: قلت: بلى. قال: «لا إله إلا الله الحليم العليم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم». وقال صلى الله عليه وسلم: «يهلك فيك رجلان: محب مفرط، وكذاب مفترٍ». وقال له: «تفترق فيك أمتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى».
وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحب عليًّا فقد أحبني، ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني، ومن آذى عليًّا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله».
حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال: حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن النعمان قال: حدثنا محمد بن علي بن مروان قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا معن بن عون عن أبي صالح الحنفي عن علي قال: قيل لأبي بكر وعلي يوم بدر: مع أحدكما جبرئيل ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملك يشهد القتال ويقف في الصف وقد روى أن جبرئيل وميكائيل عليهما السلام مع علي رضي الله عنه. والأول أصح إن شاء الله تعالى.
روى قاسم وابن الأعرابي جميعًا قالا: حدثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي حدثنا عاصم بن علي حدثنا أبو معشر عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة بن رافع الأنصاري عن أبيه عن جده قال: أقبلنا من بدر ففقدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادت الرفاق بعضها بعضًا: أفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفوا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالوا: يا رسول الله فقدناك فقال: «إن أبا الحسن وجد مغصًا في بطنه فتخلفت عليه».
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه».
وقال صلى الله عليه وسلم في أصحابه: «أقضاهم علي بن أبي طالبٍ».
وقال عمر بن الخطاب: علي أقضانا، وأبي أقرؤنا، وإنا لنترك أشياء من قراءة أبي.
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عمر بن راشد حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان الدمشقي حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثني أبي عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت للشعبي: إن المغيرة حلف بالله ما أخطأ علي في قضاءٍ قضى به قط. فقال الشعبي: لقد أفرط.
حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أبو بكر أحمد ابن زهير قال: حدثنا أبو خيثمة حدثنا أبو سلمة التبوذكي حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو فروة قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال عمر رضي الله عنه: علي أقضانا.
وقال أحمد بن زهير حدثنا أبي قال: حدثنا ابن عيينة عن ابن جريح عن ابن أبي ملكية عن ابن عباس قال قال عمر: علي أقضانا قال أحمد بن زهير: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن. وقال في المجنونة التي أمر برجمها وفي التي وضعت لستة أشهر، فأراد عمر رجمها فقال له علي: إن الله تعالى يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} [الأحقاف 15]. الحديث. وقال له: إن الله رفع القلم عن المجنون. الحديث، فكان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر.
وقد روي مثل هذه القصة لعثمان مع ابن عباس وعن علي أخذها ابن عباس والله أعلم.
وروى عبد الرحمن بن أذنية الغنوي عن أبيه أذينة بن مسلمة قال: أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسألته: من أين أعتمر؟ فقال: إيت عليًّا فسله، فذكر الحديث. وفيه قال عمر: ما أجد لك إلا ما قال علي.
وسأل شريح بن هانىء عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت: إيت عليًّا فسله.
وحدثنا عبد الوارث قال: حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا مسلم بن إبراهيم. حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن عبد الله قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب.
قال أحمد بن زهير: وأخبرنا إبراهيم بن بشار قال: حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: ما كان أحد من الناس يقول: سلوني غير علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
قال: وأخبرنا يحيى بن معين قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن عبد الملك ابن أبي سليمان قال قلت لعطاء: أكان في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد أعلم من علي، قال: لا والله ما أعلمه.
قال أحمد بن زهير: وحدثنا محمد بن سعيد الأصفهاني قال: حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن قليب عن جبير، قال: قالت عائشة: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا: علي. قالت: أما إنه لأعلم الناس بالسنة.
قال: وحدثنا فضيل عن عبد الوهاب قال: حدثنا شريك عن ميسرة عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به.
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر الجوهري، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال: حدثنا محمد بن السري إملاءً بمصر سنة أربع وعشرين ومائتين قال: حدثنا عمرو بن هاشم الجنبي قال: حدثنا جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس قال: والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر.
وقال الحسن الحلواني: حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن حبيب بن الشهيد عن بن أبي مليكة عن ابن عباس عن عمر أنه قال: أقضانا علي، وأقرؤنا أبي. وحدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة قال: قال ابن مسعود: إن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب.
قال: وحدثنا يحيى بن آدم وأبو زبيد عن مطرف عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال: قال عبد الله: أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب.
وقال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن مغيرة قال: ليس أحد منهم أقوى قولًا في الفرائض من علي. قال: وكان المغيرة صاحب الفرائض.
وفيما أخبرنا شيخنا أبو الأصبع عيسى بن سعد بن سعيد المقرىء أحد معلمي القرآن رحمه الله قال: أنبأنا الحسن بن أحمد بن محمد بن قاسم المقرىء قراءةً عليه في منزله ببغداد حدثنا أبو بكر أحمد بن يحيى بن موسى بن العباس بن مجاهد المقرىء في مسجده قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر بن حبيش قال: جلس رجلان يتغديان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة فلما وضعا الغداء بين أيديهما مر بهما رجل فسلم فقالا: اجلس للغداء فجلس وأكل معهما واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية فقام: الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم وقال: خذا هذا عوضًا مما أكلت لكما ونلته من طعامكما فتنازعا وقال صاحب الخمسة الأرغفة: لي خمسة دراهم ولك ثلاث فقال صاحب الثلاثة الأرغفة: لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين. وارتفعا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقصا عليه قصتهما فقال لصاحب الثلاثة الأرغفة: قد عرض عليك صاحبك ما عرض وخبزه أكثر من خبزك فارض بثلاثة. فقال: لا والله لا رضيت منه إلا بمر الحق. فقال علي رضي الله عنه: ليس لك في مر الحق إلا درهم واحد وله سبعة. فقال الرجل: سبحان الله يا أمير المؤمنين وهو يعرض علي ثلاثة فلم أرض وأشرت علي بأخذها فلم أرض وتقول لي الآن: إنه لا يجب في مر الحق إلا درهم واحد فقال له علي: عرض عليك صاحبك الثلاثة صلحًا، فقلت: لم أرض إلا بمر الحق ولا يجب لك بمر الحق إلا واحد. فقال له الرجل: فعرفني بالوجه في مر الحق حتى أقبله، فقال علي رضي الله عنه: أليس للثمانية الأرغفة أربعة وعشرون ثلثًا أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس، ولا يعلم الأكثر منكم أكلًا ولا الأقل فتحملون في أكلكم على السواء قال: بلى. قال: فأكلت أنت ثمانية أثلاث وإنما لك تسعة أثلاث وأكل صاحبك ثمانية أثلاثٍ وله خمسة عشر ثلثًا أكل منها ثمانية ويبقى له سبعة وأكل لك واحدًا من تسعة فلك واحد بواحدك وله سبعة بسبعته. فقال له الرجل: رضيت الآن.
روى عبد الرحمن بن أذنية العبدي عن أبيه أذنية بن سلمة العبدي، قال: أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسألته: من أين أعتمر؟ فقال: إيت عليًّا فاسأله. وذكر الحديث. وفيه وقال عمر: ما أجد لك إلا ما قال علي. وسأل شريح ابن هانىء عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت: إيت عليًّا فاسأله. وذكر الحديث.
وروى معمر، عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال: شهدت عليًّا يخطب، وهو يقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليلٍ نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل.
وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: قلت لعبد الله بن عياش ابن أبي ربيعة: يا عم لو كان صغو الناس إلى علي فقال: يا بن أخي، إن عليًّا عليه السلام كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له البسطة في العشيرة والقدم في الإسلام والصهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم والفقه في المسألة والنجدة في الحرب والجود في الماعون.
حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال: حدثنا يحيى بن مالك بن عابد قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن سلمة البغدادي بمصر، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا العكلي عن الحرمازي عن رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار صف لي عليًّا. قال: أعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتصفنه. قال: أما إذ لا بد من وصفه فكان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلًا ويحكم عدلًا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه. ويستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته وكان غزير العبرة. طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن. وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا استنبأناه. ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبةً له. يعظم أهل الدين ويقرب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا ييئس الضعيف من عدله. وأشهد أنه لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضًا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا غري غيري ألي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات قد باينتك ثلاثًا لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك قليل. آهٍ من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها وهو في حجرها.
وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب. فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام. فقال له: دعني عنك.
وروى أبو سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تمرق مارقة في حين اختلافٍ من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق». وقال طاوس: قيل لابن عباس: أخبرنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن أبي بكر. قال: كان والله خيرًا كله مع حدة كانت فيه. قلنا: فعمر؟ قال: كان والله كيسًا حذرًا، كالطير الحذر الذي قد نصب له الشرك فهو يراه ويخشى أن يقع فيه مع العنف وشدة السير. قلنا: فعثمان؟ قال: كان والله صوامًا قوامًا من رجل غلبته رقدته. قلنا: فعلي؟ قال: كان والله قد ملئ علمًا وحكمًا من رجل غرته سابقته وقرابته، فقلما أشرف على شيءٍ من الدنيا إلا فاته. فقيل: إنهم يقولون: كان محدودًا. فقال: أنتم تقولون ذلك.
وروى الحكم بن عتيبة عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: ما رأيت أحدًا أقرأ من علي، صلينا خلفه فقرأ برزخًا، فأسقط حرفًا ثم رجع فقرأه ثم عاد إلى مكانه.
فسر أهل اللغة البرزخ هذا بأنه كان بين الموضع الذي كان يقرأ فيه وبين الموضع الذي كان أسقط منه الحرف ورجع إليه قرآن كثير. قالوا والبرزخ: ما بين الشيئين وجمعه برازخ. والبرزخ: ما بين الدنيا والآخرة. وسئل ابن مسعود عن الوسوسة فقال: هي برزخ بين الشك واليقين. وقد ذكرنا في باب أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه إنما كان تأخر علي عنه تلك الأيام لجمعه القرآن.
وروى معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد ثقيف حين جاءه: «لتسلمن أو لأبعثن رجلًا مني» أو قال: «مثل نفسي فليضربن أعناقكم، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم». قال عمر: فوالله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ، وجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول: هو هذا. قال: فالتفت إلى علي رضي الله عنه فأخذ بيده ثم قال: «هو هذا».
وروى عمار الدهني. عن أبي الزبير عن جابر قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وسئل الحسن بن أبي الحسن البصري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: كان علي والله سهمًا صائبًا من مرامي الله على عدوه، ورباني هذه الأمة، وذا فضلها، وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله، أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياضٍ مونقة، ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه يا لكع.
وسئل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عن صفة علي رضي الله عنه فقال: كان رجلًا آدم شديد الأدمة، مقبل العينين عظيمهما ذا بطن أصلع ربعة إلى القصر لا يخضب.
وقال أبو إسحاق السبيعي: رأيت عليًّا أبيض الرأس واللحية وقد روي أنه ربما خضب وصفر لحيته. وكان علي رضي الله عنه يسير في الفيء مسيرة أبي بكر الصديق في القسم إذا ورد عليه مال لم يبق منه شيئًا إلا قسمه ولا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته في يومه ذلك ويقول: يا دنيا غري غيري. ولم يكن يستأثر من الفيء بشيء ولا يخص به حميمًا ولا قريبًا ولا يخص بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات وإذا بلغه عن أحدهم خيانة كتب إليه: قد جاءتكم موعظة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين. وما أنا عليكم بحفيظٍ.
إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من أعمالنا حتى نبعث إليك من يتسلمه منك ثم يرفع طرفه إلى السماء فيقول: اللهم إنك تعلم أني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك.
وخطبه ومواعظه ووصاياه لعماله إذ كان يخرجهم إلى أعماله كثيرة مشهورة لم أر التعرض لذكرها لئلا يطول الكتاب وهي حسان كلها.
وقد ثبت عن الحسن بن علي من وجوهٍ أنه قال: لم يترك أبي إلا ثمانمائة درهم أو سبعمائة فضلت من عطائه كان يعدها لخادم يشتريها لأهله. وأما تقشفه في لباسه ومطعمه فأشهر من هذا كله وبالله التوفيق والعصمة.
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر الجوهري حدثنا أحمد بن محمد ابن الحجاج حدثنا يحيى بن سليمان. قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان قال: حدثنا أجلح بن عبد الله الكندي عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عليًّا خرج وعليه قميص غليظ دارس إذا مد كم قميصه بلغ إلى الظفر وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد.
قال: وأخبرنا يحيى بن سليمان قال: حدثنا خالد بن عبد الله الخراساني أبو الهيثم قال: حدثنا أبجر بن جرموز. عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخرج من الكوفة وعليه قطريتان متزرًا بالواحدة مترديًا بالأخرى وإزاره إلى نصف الساق وهو يطوف في الأسواق ومعه درة يأمرهم بتقوى الله وصدق الحديث وحسن البيع والوفاء بالكيل والميزان.
وبه عن يحيى بن سليمان قال: حدثني يعلى بن عبيد ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية قال: حدثنا أبو حيان التيمي عن مجمع التيمي أن عليًّا قسم ما في بيت المال بين المسلمين ثم أمر به فكنس ثم صلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة.
قال: وأخبرني يحيى بن سليمان وحامد بن يحيى قالا: حدثنا سفيان قال: حدثني عاصم بن كليب عن أبيه قال: قدم على علي مال من أصبهان، فقسمه سبعة أسباع، ووجد فيه رغيفًا فقسمه سبع كسر فجعل على كل جزء كسرة ثم أقرع بينهم أيهم يعطي أولًا. وأخباره في مثل هذا من سيرته لا يحيط بها كتاب.
حدثنا سعيد بن نصر قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن فرج الرياشي، قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ومعاذ بن العلاء أخي عمرو بن العلاء عن أبيه عن جده، قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة أهداها إلي الدهقان ثم نزل إلى بيت المال ففرق كل ما فيه ثم جعل يقول:
أفلح من كانت له قوصره ** يأكل منها كل يومٍ مره

حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا أحمد بن محمد حدثنا يحيى بن سليمان. حدثنا وكيع أبو سنان عن عنترة الشيباني، قال: كان علي يأخذ في الجزية والخراج من أهل كل صناعة من صناعته وعمل يده حتى يأخذ من أهل الإبر الإبر والمسال والخيوط والحبال ثم يقسمه بين الناس وكان لا يدع في بيت المال مالًا يبيت فيه حتى يقسمه إلا أن يغلبه فيه شغل فيصبح إليه وكان يقول: يا دنيا لا تغريني غري غيري، وينشد:
هذا جناي وخياره فيه ** وكل جانٍ يده إلى فيه

وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي حيان التيمي عن أبيه، قال: رأيت علي بن أبي طالب على المنبر يقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته فقام إليه رجل فقال: نسلفك ثمن إزار. قال عبد الرزاق: وكانت بيده الدنيا كلها إلا ما كان من الشام.
وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ولوا عليًّا فهاديًا مهديًا».
قيل لعبد الرزاق: سمعت هذا من الثوري؟ فقال: حدثنا النعمان عن ابن أبي شيبة ويحيى بن العلاء عن الثوري حدثنا خلف بن قاسم قال: حدثنا عبد الله بن عمر قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال: حدثنا سفيان بن بشر قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن يزيد بن زياد عن إسحاق بن كعب بن عجرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علي مخشوشن في ذات الله».
وروى وكيع، عن علي بن صالح عن عطاء قال: رأيت على علي قميص كرابيس غير غسيل.
حدثنا وكيع عن سفيان عن الأجلح عن ابن أبي الهذيل، قال: رأيت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه قميصًا رازيًا إذا أرخى كمه بلغ أطراف أصابعه وإذا أطلقه صار إلى الرسغ.
وفضائله لا يحيط بها كتاب، وقد أكثر الناس من جمعها فرأيت الاختصار منها على النكت التي تحسن المذاكرة بها وتدل على ما سواها من أخلاقه وأحواله وسيرته رضي الله عنه.
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي حدثنا حفص بن غياث حدثنا الثوري عن أبي قيس الأودي قال: أدركت الناس وهم ثلاث طبقات: أهل دين يحبون عليًّا وأهل دنيا يحبون معاوية وخوارج.
وقال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب. وكذلك قال أحمد بن شعيب بن علي النسائي رحمه الله. وأخبرنا أحمد بن زكريا ويحيى بن عبد الرحيم وعبد الرحمن بن يحيى قالوا: أخبرنا أحمد بن سعيد بن حزم حدثنا أحمد بن خالد حدثنا مروان بن عبد الملك قال: سمعت هارون بن إسحاق يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة ومن قال أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة فذكرت له هؤلاء الذين يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ويسكتون فتكلم فيهم بكلامٍ غليظ.
روى الأصم عن عباس الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبينا أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم علي هذا مذهبنا وقول أئمتنا. وكان يحيى بن معين يقول: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان.
قال أبو عمر: من قال بحديث ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت يعني فلا نفاضل وهو الذي أنكر ابن معين وتكلم فيه بكلام غليظ لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر أن عليًّا أفضل الناس بعد عثمان رضي الله عنه وهذا مما لم يختلفوا فيه وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان.
واختلف السلف أيضًا في تفضيل علي وأبو بكر وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أن حديث ابن عمر وهم وغلط وأنه لا يصح معناه وإن كان إسناده صحيحًا ويلزم من قال به أن يقول بحديث جابر وحديث أبي سعيد: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم لا يقولون بذلك فقد ناقضوا، وبالله التوفيق.
ويروى من وجوه عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر أنه قال: ما آسى على شيء إلا أني لم أقاتل مع على الفئة الباغية.
وقال الشعبي: ما مات مسروق حتى تاب إلى الله من تخلفه مع القتال مع علي. ولهذه الأخبار طرق صحاح قد ذكرناها في موضعها. وروى من حديث علي ومن حديث ابن مسعود ومن حديث أبي أيوب الأنصاري أنه أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. وروى عنه أنه قال: ما وجدت إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله يعني والله أعلم قوله تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده} [الحج 78]. وما كان مثله.
وذكر أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني في المؤتلف والمختلف، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا حدثنا عباد بن يعقوب حدثنا عفان بن سيار حدثنا أبو حنيفة عن عطاء قال: قال ابن عمر: ما آسى على شيء إلا على ألا أكون قاتلت الفئة الباغية على صوم الهواجر.
قال أبو عمر: وقف جماعة من أئمة أهل السنة والسلف في علي وعثمان رضي الله عنهما فلم يفضلوا أحدًا منهما على صاحبه منهم مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وأما أختلاف السلف في تفصيل علي فقد ذكر ابن أبي خيثمة في كتابه من ذلك ما فيه كفاية وأهل السنة اليوم على ما ذكرت لك من تقديم أبي بكر في الفضل على عمر وتقديم عمر على عثمان وتقديم عثمان على علي رضي الله عنهم وعلى هذا عامة أهل الحديث من زمن أحمد بن حنبل إلا خواص من جلة الفقهاء وأئمة العلماء فإنهم على ما ذكرنا عن مالك ويحيى القطان وابن معين فهذا ما بين أهل الفقه والحديث في هذه المسألة وهم أهل السنة. وأما اختلاف سائر المسلمين في ذلك فيطول ذكره وقد جمعه قوم وقد كان بنو أمية ينالون منه وينقصونه فما زاده الله بذلك إلا سموا وعلوًا ومحبةً عند العلماء.
وذكر الطبري قال حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه قال: قيل لسهل بن سعد: إن أمير المدينة يريد أن يبعث إليك لتسب عليًّا عند المنبر. قال: كيف أقول؟ قال: تقول أبا تراب. فقال: والله ما سماه بذلك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: وكيف ذلك يا أبا العباس؟ قال: دخل علي على فاطمة، ثم خرج من عندها فاضطجع في صحن المسجد، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة رضي الله عنها فقال: أين ابن عمك؟ قالت: هو ذاك مضطجع في المسجد، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره، ويقول: «اجلس أبا ترابٍ» فوالله ما سماه به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما كان اسم أحب إليه منه.
وروى ابن وهب عن حفص بن ميسرة عن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه سمع ابنًا له ينتقص عليًّا فقال: إياك والعودة إلى ذلك، فإن بني مروان شتموه ستين سنة فلم يزده الله بذلك إلا رفعة وإن الدين لم يبن شيئًا فهدمته الدنيا. وإن الدنيا لم تبن شيئًا إلى عاودت على ما بنت فهدمته.
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه من كتابي وهو ينظر في كتابه، قال: حدثنا أبو محمد قاسم بن أصبغ حدثنا أبو عبيد بن عبد الواحد البزار حدثنا محمد بن أحمد بن ايوب قال قاسم: وحدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ حدثنا سليمان بن داود قالا: حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: بينا أنا أمشي مع عمر يومًا إذ تنفس نفسًا ظننت أنه قد قضبت أضلاعه، فقلت: سبحان الله والله ما أخرج منك هذا يا أمير المؤمنين إلا أمر عظيم. فقال: ويحك يا بن عباس ما أدري ما أصنع بأمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم. قلت: ولم وأنت بحمد الله قادر أن تضع ذلك مكان الثقة؟ قال: إني أرك تقول: إن صاحبك أولى الناس بها يعني عليًّا رضي الله عنه. قلت: أجل والله إني لأقول ذلك في سابقته وعلمه وقرابته وصهره. قال: إنه كما ذكرت ولكنه كثير الدعابة. فقلت: فعثمان؟ قال: فوالله لو فعلت لجعل بني أبي معيط على رقاب الناس يعملون فيهم بمعصية الله والله لو فعلت لفعل ولو فعل لفعلوه فوثب الناس عليه فقتلوه. فقلت طلحة بن عبيد الله؟ قال: الأكيسع هو أزهى من ذلك ما كان الله ليراني أوليه أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو على ما هو عليه من الزهو. قلت: الزبير بن العوام؟ قال: إذًا يلاطم الناس في الصاع والمد. قلت: سعد بن أبي وقاص؟ قال: ليس بصاحب ذلك ذاك صاحب مقنب يقاتل به. قلت: عبد الرحمن بن عوف؟ قال: نعم. الرجل ذكرت، ولكنه ضعيف عن ذلك والله يا بن عباس، ما يصلح لهذا الأمر إلا القوي في غير عنف اللين في غير ضعف الجواد في غير سرف. الممسك في غير بخل. قال ابن عباس: كان عمر والله كذلك.
وفي حديث آخر عن ابن عباس أن عمر ذكر له أمر الخلافة واهتمامه بها فقال له ابن عباس: أين أنت عن علي؟ قال: فيه دعابة. قال: فأين أنت والزبير؟ قال: كثير الغضب يسير الرضا. فقال: طلحة؟ قال: فيه نخوة يعني كبرًا قال: سعد؟ قال صاحب مقنب خيل. قال: فعثمان؟ قال: كلف بأقاربه. قال: عبد الرحمن بن عوف؟ قال: ذلك رجل لين أو قال ضعيف. وفي رواية أخرى قال في عبد الرحمن: ذلك الرجل لو وليته جعل خاتمه في إصبع امرأته.
وروى سفيان وشعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن زيد بن صوحان قال قال عمر: ما يمنعكم إذا رأيتم الرجل يخزن أعراض الناس أن تعرفوني به؟ قالوا: نخاف سفهه وشره. قال: ذلك أدنى ألا تكونوا شهداء.
أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا أبو بكر أحمد بن الفضل بن العباس الدينوري حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ومحمد بن هياج قالا: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأزدي، حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام فكنت فيمن سار معه فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه إلى شيء فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالد ومن اتبعه إلا من أراد البقاء مع علي رضي الله عنه فيتركه قال البراء: فكنت فيمن قعد مع علي، فلما انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له، فصلى بنا علي الفجر فلما فرغ صففنا صفًا واحدًا ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان كلها في يوم واحدٍ وكتب بذلك علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ كتابه خر ساجدًا ثم جلس، فقال: السلام على همدان، وتتابع أهل اليمن على الإسلام.
بويع لعلي رضي الله عنه بالخلافة يوم قتل عثمان رضي الله عنه واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار وتخلف عن بيعته منهم نفر فلم يهجهم ولم يكرههم وسئل عنهم فقال: أولئك قوم قعدوا عن الحق ولم يقوموا مع الباطل.
وفي رواية أخرى: أولئك قوم خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل. وتخلف أيضًا عن بيعته معاوية ومن معه في جماعة أهل الشام فكان منهم في صفين بعد الجمل ما كان تغمد الله جميعهم بالغفران ثم خرجت عليه الخوارج وكفروه وكل من كان معه، إذ رضي بالتحكيم بينه وبين أهل الشام، وقالوا له: حكمت الرجال في دين الله والله تعالى يقول: {إن الحكم إلا لله} [الأنعام 57]. ثم اجتمعوا وشقوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف وسفكوا الدماء، وقطعوا السبل، فخرج إليهم بمن معه ورام مراجعتهم فأبوا إلا القتال. فقاتلهم بالنهروان، فقتلهم واستأصل جمهورهم ولم ينج إلا اليسير منهم فانتدب له من بقاياهم عبد الرحمن بن ملجم، قيل التجوبي وقيل السكوني وقيل الحميري قال الزبير: تجوب رجل من حمير كان أصاب دمًا في قومه فلجأ إلى مراد فقال لهم: جئت إليكم أجوب البلاد، فقيل له: أنت تجوب. فسمي به فهو اليوم في مراد وهو رهط عبد الرحمن بن ملجم المرادي ثم التجوبي وأصله من حمير ولم يختلفوا أنه حليف لمراد وعداده فيهم وكان فاتكًا ملعونًا فقتله ليلة الجمعة لثلاث عشرة وقيل لإحدى عشرة ليلة خلت من رمضان وقيل بل بقيت من رمضان سنة أربعين.
وقال شاعرهم:
علاه بالعمود أخو تجوبٍ ** فأوهى الرأس منه والجبينا

وقال أبو الطفيل، وزيد بن وهب والشعبي: قتل علي رضي الله عنه لثمان عشرة ليلة مضت من رمضان. وقيل: في أول ليلة من العشر الأواخر. واختلف في موضع دفنه فقيل: دفن في قصر الإمارة بالكوفة. وقيل: بل دفن في رحبة الكوفة. وقيل: دفن بنجف الحيرة موضع بطريق الحيرة. وروى عن أبي جعفر أن قبر علي رضي الله عنه جهل موضعه.
واختلف أيضًا في مبلغ سنة يوم مات، فقيل: سبع وخمسون. وقيل: ثمان وخمسون وقيل: ثلاث وستون.،قاله أبو نعيم وغيره. واختلفت الرواية في ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، فروي عنه أن عليًّا قتل وهو ابن ثلاث وستين وروى عنه ابن خمس وستين وروي عنه ابن ثمان وخمسين وروى ابن جريج قال: أخبرني محمد بن عمر بن علي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل وهو ابن ثلاث أو أربع وستين سنة. وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وستة أيام وقيل: ثلاثة أيام. وقيل: أربعة عشر يومًا. وقالت: عائشة رضي الله عنها لما بلغها قتل علي: لتصنع العرب ما شاءت فليس لها أحد ينهاها.
وأحسن ما رأيت في صفة علي رضي الله عنه أنه كان ربعة من الرجال إلى القصر ما هو أدعج العينين حسن الوجه كأنه القمر ليلة البدر حسنًا ضخم البطن عريض المنكبين شئن الكفين عتدًا أغيد كأن عنقه إبريق فضةٍ أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه كبير اللحية لمنكبه مشاش كمشاش السبع الضاري، لا يتبين عضده من ساعده قد أدمجت إدماجًا إذا مشى تكفأ وإذا أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس وهو إلى السمن ما هو شديد الساعد واليد وإذا مشى للحرب هرول ثبت الجنان قوي شجاع منصور على من لاقاه.
وكان سبب قتل ابن ملجم له أنه خطب امرأةً من بني عجل بن لجيم يقال لها قطام، كانت ترى رأي الخوارج، وكان علي رضي الله عنه قد قتل أباها وإخوتها بالنهروان فلما تعاقد الخوارج على قتل علي وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وخرج منهم ثلاثة نفر لذلك كان عبد الرحمن بن ملجم هو الذي اشترط قتل علي رضي الله عنه فدخل الكوفة عازمًا على ذلك واشترى لذلك سيفًا بألف وسقاه السم فيما زعموا حتى لفظه وكان في خلال ذلك يأتي عليًّا رضي الله عنه يسأله ويستحمله فيحمله إلى أن وقعت عينه على قطام وكانت امرأةً رائعةً جميلةً فأعجبته ووقعت بنفسه فخطبها، فقالت: آليت ألا أتزوج إلا على مهرٍ لا أريد سواه. فقال: وما هو؟ فقالت: ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب. فقال: والله لقد قصدت لقتل علي بن أبي طالب والفتك به، وما أقدمني هذا المصر غير ذلك، ولكني لما رأيتك آثرت تزويجك. فقالت: ليس إلا الذي قلت لك. فقال لها: وما يغنيك أو ما يغنيني منك قتل علي وأنا أعلم إني إن قتلته لم أفلت؟ فقالت: إن قتلته ونجوت فهو الذي أردت، تبلغ شفاء نفسي ويهنئك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. فقال لها: لك ما اشترطت. فقالت له: إني سألتمس من يشد ظهرك. فبعثت إلى ابن عم لها يقال له وردان بن مجالد، فأجابها ولقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، فقال: يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما هو؟ قال: تساعدني على قتل علي بن أبي طالب، قال له: ثكلتك أمك لقد جئت شيئًا كيف نقدر على ذلك؟ قال: إنه رجل لا حرس له، يخرج إلى المسجد منفردًا ليس له من يحرسه فنكمن له في المسجد، فإذا خرج إلى الصلاة قتلناه، فإن نجونا نجونا، وإن قتلنا سعدنا بالذكر في الدنيا وبالجنة في الآخرة. فقال: ويلك إن عليًّا ذو سابقة في الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم والله ما تنشرح نفسي لقتله. فقال: ويحك، إنه حكم الرجال في دين الله عز وجل وقتل إخواننا الصالحين، فنقتله ببعض من قتل، فلا تشكن في دينك. فأجابه، وأقبلا حتى دخلا على قطام وهي معتكفة في المسجد الأعظم في قبة ضربتها لنفسها، فدعت لهم، وأخذوا سيوفهم وجلسوا قبالة السدة التي يخرج منها علي رضي الله عنه فخرج علي لصلاة الصبح فبدره شبيب فضربه فأخطأه، وضربه عبد الرحمن بن ملجم على رأسه، وقال: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك، فقال علي رضي الله عنه: فزت ورب الكعبة، لا يفوتنكم الكلب. فشد الناس عليه من كل جانب، فأخذوه، وهرب شبيب خارجًا من باب كندة.
وقد اختلف في صفة أخذ ابن ملجم، فلما أخذ قال علي رضي الله عنه: احبسوه، فإن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به، وإن لم أمت فالأمر إلي في العفو أو القصاص.
واختلفوا أيضًا هل ضربه في الصلاة أو قبل الدخول فيها؟ وهل استخلف من أتم بهم الصلاة أو هو أتمها؟ والأكثر أنه استخلف جعدة بن هبيرة فصلى بهم تلك الصلاة والله أعلم.
وروى ابن الهادي عن عثمان بن صهيب عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «من أشقى الأولين»؟ قال: الذي عقر الناقة يعني ناقة صالح. قال: «صدقت، فمن أشقى الآخرين»؟ قال: لا أدري. قال: «الذي يضربك على هذا» يعني يافوخه: «ويخضب هذه» يعني لحيته.
روى الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة الحماني أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه يعني لحيته من دم هذا يعني رأسه.
وذكر النسائي من حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه: «أشقى الناس الذي عقر الناقة والذي يضربك على هذا» ووضع يده على رأسه «حتى يخضب هذه» يعني لحيته.
وذكره الطبري وغيره أيضًا وذكره ابن إسحاق في السير وهو معروف من رواية محمد بن كعب القرظي عن يزيد بن جشم، عن عمار بن ياسر وذكره ابن أبي خيثمة من طرق وكان قتادة يقول: قتل علي رضي الله عنه على غير مالٍ احتجبه، ولا دنيا أصابها.
حدثنا خلف بن سعيد الشيخ الصالح رحمه الله حدثنا عبد الله بن محمد بن علي حدثنا أحمد بن خالد حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال: كان علي رضي الله عنه إذا رأى ابن ملجم قال:
أريد حياته ويريد قتلي ** عذيرك من خليلك من مراد

وكان علي رضي الله عنه كثيرًا ما يقول: ما يمنع أشقاها أو ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا يقول: والله ليخضن هذه من دم هذا ويشير إلى لحيته ورأسه خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير.
وذكر عمر بن شبة عن أبي عاصم النبيل وموسى بن إسماعيل عن سكين ابن عبد العزيز العبدي أنه سمع أباه يقول: جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل عليًّا فحمله ثم قال:
أريد حياته ويريد قتلي ** عذيري من خليلي من مراد

أما إن هذا قاتلي. قيل: فما يمنعك منه؟ قال: إنه لم يقتلني بعد. وأتى علي رضي الله عنه فقيل له: إن ابن ملجم يسم سيفه. ويقول: إنه سيفتك بك فتكةً يتحدث بها العرب فبعث إليه فقال له: لم تسم سيفك؟ قال لعدوي وعدوك. فخلى عنه، وقال: ما قتلني بعد.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: أتيت الحسن بن علي في قصر أبيه وكان يقرأ علي وذلك في اليوم الذي قتل فيه علي فقال لي: إنه سمع أباه في ذلك السحر يقول له: يا بني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة في نومة نمتها، فقلت يا رسول الله: ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ قال: «ادع الله عليهم»، فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرًا منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني، ثم أتيته وجاء مؤذنه يؤذنه بالصلاة، فخرج فاعتوره الرجلان، فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأما الآخر فضربه في رأسه، وذلك في صبيحة يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان صبيحة بدر.
أخبرنا أحمد بن عمر قال: حدثنا علي بن عمر قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا الحسن بن همدان بن ثابت حدثنا علي بن إبراهيم بن المعلى حدثنا زيد بن عمرو بن البحتري حدثنا غياث بن إبراهيم. حدثنا أبو روق عن عبد الله بن مالك قال: جمع الأطباء لعلي رضي الله عنه يوم جرح، وكان أبصرهم بالطب أثير بن عمرو السكوني وكان يقال له أثير بن عمريا وكان صاحب كسرى يتطبب وهو الذي ينسب إليه صحراء أثير فأخذ أثير رئة شاة حارة فتتبع عرقًا منها فاستخرجه فأدخله في جراحة علي ثم نفخ العرق فاستخرجه فإذا عليه بياض الدماغ وإذا الضربة قد وصلت إلى أم رأسه فقال: يا أمير المؤمنين اعهد عهدك فإنك ميت. وفي ذلك يقول عمران بن حطان الخارجي:
يا ضربة من تقي ما أراد بها ** إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره حينًا فأحسبه ** أوفى البرية عند الله ميزانا

وقال بكر بن حماد التاهرتي معارضًا له في ذلك:
قل لابن ملجم والأقدار غالبة ** هدمت ويلك للإسلام أركانا

قتلت أفضل من يمشي على قدمٍ ** وأول الناس إسلامًا وإيمانا

وأعلم الناس بالقرآن ثم بما ** سن الرسول لنا شرعًا وتبيانا

صهر النبي ومولاه وناصره ** أضحت مناقبه نورًا وبرهانا

وكان منه علي رغم الحسود له ** ما كان هارون من موسى بن عمرانا

وكان في الحرب سيفًا صارمًا ذكرًا ** ليثًا إذا لقي الأقران أقرانا

ذكرت قاتله والدمع منحدر ** فقلت سبحان رب الناس سبحانا

إني لأحسبه ما كان من بشرٍ ** يخشى المعاد ولكن كان شيطانا

أشقى مرادًا إذا عدت قبائلها ** وأخسر الناس عند الله ميزانا

كعاقر الناقة الأولى التي جلبت ** على ثمود بأرض الحجر خسرانا

قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها ** قبل المنية أزمانًا فأزمانا

فلا عفا الله عنه ما تحمله ** ولا سقى قبر عمران بن حطانا

لقوله في شقي ظل مجترمًا ** ونال ما ناله ظلمًا وعدوانًا

يا ضربة من تقي ما أراد بها ** إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

بل ضربةً من غويٍّ أوردته لظى ** فسوف يلقى بها الرحمن غضبانا

كأنه لم يرد قصدًا بضربته ** إلا ليصلى عذاب الخلد نيرانا

أخبرنا خلف بن قاسم إجازةً قال: حدثنا علي بن أحمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن إسحاق السراج حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف قال: حدثنا حصين بن عمر عن مخارق عن طارق قال: جاء ناس إلى ابن عباس، فقالوا: جئناك نسألك. فقال: سلوا عما شئتم. فقالوا: أي رجل كان أبو بكر؟ فقال: كان خيرًا كله أو قال: كان كالخير كله على حدةٍ كانت فيه. قالوا: فأي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطائر الحذر الذي يظن أن له في كل طريق شركًا. قالوا: فأي رجل كان عثمان؟ قال: رجل ألهته نومته عن يقظته. قالوا: فأي رجل كان علي؟ قال: كان قد ملئ جوفه حكمًا وعلمًا وبأسًا ونجدة مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يظن ألا يمد يده إلى شيء إلا ناله فما مد يده إلى شيء فناله.
قال: وأخبرنا محمد بن الصباح حدثنا عبد العزيز الدراوردي عن عمر مولى عفرة عن محمد بن كعب عن عبد الله بن عمر قال: قال عمر لأهل الشورى: لله درهم إن ولوها الأصيلع كيف يحملهم على الحق، ولو كان السيف على عنقه. فقلت: أتعلم ذلك منه ولا توليه؟ قال: إن لم أستخلف فأتركهم فقد تركهم من هو خير مني.
وروى ربيعة بن عثمان عن محمد بن كعب القرظي، قال: كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حي عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود من المهاجرين، وسالم مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مولى لهم ليس من المهاجرين.
وروى أبو أحمد الزبيري وغيره، عن مالك بن مغول، عن أكيل عن الشعبي قال: قال لي علقمة: تدري ما مثل علي في هذه الأمة؟ قلت: ما مثله؟ قال: مثل عيسى بن مريم أحبه قوم حتى هلكوا في حبه، وأبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه.
قال أبو عمر: أكيل هذا هو أكيل أبو حكيم، كوفي مؤذن مسجد إبراهيم النخعي.
روى عن سويد بن غفلة والشعبي، والنخعي وإبراهيم التيمي وجواب التيمي. روى عنه إسماعيل بن خالد وجماعة من الجلة.
وقال قاسم بن ثابت صاحب كتاب الدلائل: أنشدني محمد بن عبد السلام الحسيني في قتل علي عليه السلام:
عدا على ابن أبي طالبٍ ** فاغتاله بالسيف أشقى مراد

شلت يداه وهوت أمه ** أن أمررت له تحت السواد

عز على عينيك لو انصرفت ** ما أخرجت بعد أيدي العباد

لأنت قناة الدين واستأثرت ** بالغي أفواه الكلاب العوادي

ومما قيل في ابن ملجم وقطام:
فلم أر مهرًا ساقه ذو سماحةٍ ** كمهر قطامٍ من فصيح وأعجم

ثلاثة آلاف وعبد وقينة ** وضرب علي بالحسام المصمم

فلا مهر أغلى من علي وإن علا ** ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم

وقال بكر بن حماد رحمه الله تعالى:
وهز علي بالعراقين لحيةً ** مصيبتها جلت على كل مسلم

وقال سيأتيها من الله حادث ** ويخضبها أشقى البرية بالدم

فباكره بالسيف شلت يمينه ** لشؤم قطامٍ عند ذاك ابن ملجم

فيا ضربةً من خاسرٍ ضل سعيه ** تبوأ منها مقعدًا في جهنم

ففاز أمير المؤمنين بحظه ** وإن طرقت فيها الخطوب بمعظم

ألا إنما الدنيا بلاء وفتنة ** حلاوتها شيبت بصابٍ وعلقم

وقال أبو الأسود الدؤلي وأكثرهم يرويها لأم الهيثم بنت العريان النخعية، أولها شعرًا:
ألا يا عين ويحك أسعدينا ** ألا تبكى أمير المؤمنيا

تبكي أم كلثومٍ عليه ** بعبرتها وقد رأت اليقينا

ألا قل للخوارج حيث كانوا ** فلا قرت عيون الشامتينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا ** بخير الناس طرًا أجمعينا

قتلتم خير من ركب المطايا ** وذللها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها ** ومن قرأ المثاني والمثينا

فكل مناقب الخيرات فيه ** وحب رسول رب العالمينا

لقد علمت قريش حيث كانت ** بأنك خيرها حسبًا ودينا

وإذا استقبلت وجه أبي حسينٍ ** رأيت البدر فوق الناظرينا

وكنا قبل مقتله بخيرٍ ** نرى مولى رسول الله فينا

يقيم الحق لا يرتاب فيه ** ويعدل في العدا والأقربينا

وليس بكاتمٍ علمًا لديه ** ولم يخلق من المتجبرينا

كأن الناس إذ فقدوا عليًّا ** نعام حار في بلد سنينا

فلا تشمت معاوية بن صخرٍ ** فإن بقية الخلفاء فينا

وقال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف ** عن هاشمٍ ثم منها عن أبي الحسن

أليس أول من صلى لقبلتكم ** وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وزاد أبو الفتح:
وآخر الناس عهدًا بالنبي ومن ** جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا تمترون به ** وليس في القوم ما فيه من الحسن

ومن أبيات لخزيمة بن ثابت بصفين:
كل خير يزينهم فهو فيه ** وله دونهم خصال تزينه

وقال إسماعيل بن محمد الحميري من شعر له:
سائل قريشًا به إن كنت ذا عمهٍ ** من كان أثبتها في الدين أوتادا

من كان أقدم إسلامًا وأكثرها ** علمًا وأطهرها أهلًا وأولادا

من وحد الله إذ كانت مكذبة ** تدعو مع الله أوثانا وأندادا

من كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا ** عنها وإن يبخلوا في أزمةٍ جادا

من كان أعدلها حكمًا وابسطها ** علمًا وأصدقها وعدًا وإيعادا

إن يصدقوك فلن يعدوا أبا حسنٍ ** إن أنت لم تلق للأبرار حسادا

إن أنت لم تلق أقوامًا ذوي صلفٍ ** وذا عنادٍ لحق الله جحادا